دروس من هدي القرآن الكريم معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثاني عشر ملزمة الأسبوع | اليوم الأول ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

🟢دروس من هدي القرآن الكريم
🔹معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثاني عشر🔹
ملزمة الأسبوع | اليوم الأول
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 4/2/2002م | اليمن – صعدة
‏〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
سيكون درس اليوم حول آيات من كتاب الله الكريم من [سورة السجدة].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم {الم{1} تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ{2} أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّـا أَتَاهُـم مِّـن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ{3} اللَّهُ الَّـذِي خَلَـقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ{4} يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ{5} ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ{6} الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ{7} ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ{8} ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ{9} وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ{10} قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ{11} وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ{12} وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَـقَّ الْقَـوْلُ مِنِّـي لَأَمْـلَأَنَّ جَهَنَّـمَ مِـنَ الْجِنَّـةِ وَالنَّـاسِ أَجْمَعِينَ{13} فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{14} إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَـا الَّذِيـنَ إِذَا ذُكِّـرُوا بِهَـا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ{15} تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{16} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{17} أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقـاً لَّا يَسْتَـوُونَ{18} أَمَّـا الَّذِيـنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{19} وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{20} وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{21} وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّـا مِـنَ الْمُجْرِمِيـنَ مُنتَقِمُـونَ{22} } (السجدة:1-22) صدق الله العظيم
سيكون كلامنا من قول الله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيـدٍ} (السجدة: 10) تقدم من أول السورة الحديث عن أن كتاب الله القرآن الكريم نـزل مـن عنـد الله العزيـز الحكيم، وذكر فيه أيضاً الاستنكار من أن ينسب إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) بأنه افترى هذا القرآن.
ومن يتأمل هذا القرآن سيعرف سواء كان من العرب المتقدمين أم من المتأخرين، سواء كان عربياً أم غير عربي، سيعرف أن هذا القرآن لا يمكن أن يفترى إطلاقاً من عند أي طرف آخر، لا ملك من ملائكة الله ولا نبي من أنبيائـه ولا أي مخلوق من مخلوقاته {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} (النساء: 82)

القرآن كتاب حكيم بشكل يقطع المتأمـل لـه أنه نزل من عند من يعلم السر في السماوات والأرض، من عند الله، وأنـه لا يمكـن أبـداً لا يمكـن إطلاقـاً أن يكون هذا القرآن من عند غير الله، إنه الحق {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (السجدة: 3) هو الحق {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ} (الإسراء: 105) فلم يكن إنزال القرآن من عند الله مجرد ممارسة هواية أن له رغبة كأي رغبة عند أحدنـا أن يؤلـف كتابـاً، ليضـع اسمه على الصفحة الأولى وعلى غلاف الكتاب، تأليف فلان بن فلان. هو الحق ونزل بالحق. مقتضى الحكمة أن يكون هناك كتاب، ولا بد أن يكون هناك كتاب يتنزل من عند الله سبحانه وتعالى.
{بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} وإنزال هذا الكتـاب أيضـاً له مهمة كبرى، إنزاله للحق الذي نزل به، هو {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَـدُونَ} (السجدة: 3)، فهو كتاب لإنذار الناس، إنذارهم ليهتدوا. ثم تذكر هذه الآيات: أن الله سبحانه وتعالى هو {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} (السجدة: 4).
بعـد الحديـث عـن إنـزال الكتـاب الكريـم، يأتـي الحديـث الذي يدل على ملك الله، أن لـه الملـك لـه الأمر، هو الـذي يدبـر هـو الذي خلق، خلق السماوات والأرض وخلق الإنسان وهو الذي يدبر شؤون السماوات والأرض، وشؤون الإنسان. فكيف لا ينزل لهذا الإنسان كتاباً يهتدي به.
{بَلْ هُوَ الْحَقُّ} الذي خلق السماوات والأرض بالحق، وخلق الإنسان أيضاً بالحق، وتدبيره للسماوات والأرض، لشؤون مخلوقاته جميعاً بالحق، هل يمكن أن يترك الإنسان في هذه الدنيا دون أن ينـزل لـه كتابـاً يهتدي به؟ {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (السجدة: 3).
تحدثنا في درس سابق حول قول الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَـى الْعَـرْشِ} (السجدة: 4)، ولا حاجـة لإعادة الموضوع، فالشيء الملاحظ أنـه هكـذا أحيانـاً يأتي الحديث عن خلق الله وعن تدبيره لشؤون خلقه خلق السماوات والأرض وما بينهما وتدبيره لشؤونهما، ثم ينتقل إلى الحديث عن التشريع والهداية، أو يأتي الحديث مسبقاً عن التشريع والهداية، أو عن القرآن الكريم كما هنا، وهو مصدر التشريع ومصدر الهداية من الله سبحانه وتعالى، ثم يتعقبه بالحديث عن تدبيره لشؤون خلقه كلهم، السماوات والأرض وما بينهما، فهو الذي خلق، وهو الذي يدبر. إذا كان هو الذي خلق السماوات والأرض وهو الذي يدبر شؤونهما، هو الذي خلق الإنسان {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (السجدة: 7)
هو أيضاً الذي له الحق أن يدبر شؤون الإنسان، وشؤون الإنسان تختلف نوعاً ما عن شؤون السماوات والأرض والمخلوقات الأخرى الجمادات. تدبير شأن الإنسان يحتاج إلى هداية، يكون في جانب منه بشكل هداية، بشكل إنذار عن طريق كتب تنزل من عند الله سبحانه وتعالى وعن طريق رسله الذين بعثهم.
هذه الجبال وهذه الأشجار هل هي تحتاج إلى نبي أو إلى كتاب؟ الله هو خلقها، وهو يدبر شؤونها، هو أيضاً خلقنا، خلق الإنسان، {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (غافر: 57) ألم يقل الله هكذا في آية أخرى؟
فإذا كان خلق السماوات والأرض يستتبعه تدبير ممن خلقه، كذلك أنت أيها الإنسان الذي خلقك وبدأ خلقك من طين لا بـد أن يدبـر شؤونـك وأنت تختلف عن الجبال عن الأشجار، عن المخلوقات الأخرى، تدبير شؤونك في جانب منه هو الجانب الأكبر يتمثل في: هداية من الله: إنذار، تشريع، توجيه، إرشاد، تعليم عن طريق كتب الله، وعن طريق رسله.
هكذا تأتي آيات القرآن الكريم مترابطة وموضوعها قد يكون للسورة الواحدة موضوعاً واحداً تدور حوله تتمحور آياتها كلها حول ذلـك الموضـوع، ليـس هكذا: آية جنب آية لا علاقة لهذه بهذه.
هو يريد أن يقول لنا – حسب ما نفهم وهو أعلم سبحانه وتعالى -: أنه كيف تنتظر أيها الإنسان أن يكون الواقع هكذا: أن الذي خلقك يهملك. هل يمكـن أن يهملـك؟ هو خلقك والذي خلقك هو حكيم، هو رب العالمين، وأنت كبقية مخلوقاته، ألا ترى تدبيـره لمختلـف مخلوقاتـه ماثـلاً أمامـك، ألا نـرى حركة الشمس والقمر والكواكب، ألا نرى حركة هذه المخلوقات بكلها، ألا نرى أن كل يوم هو في شأن، كل يوم هو في شأن، ذلك التدبير الواسع جداً للمخلوقات على هذا النحو: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5) {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (الحج: 47).

تدبير واسع جداً، وشؤون واسعة جداً جداً، في اليوم الواحد يدبر الله فيه من الأمور ما لا يستطيع الناس أن يدبروا مثله إلا في ألف سنة. لماذا وأنت المخلوق المستخلف في هذا العالم؟ لماذا وأنت من خلقت على أحسن تقويم؟ لماذا وأنت من أنيطت بك مهام كبيرة وواسعـة ومسؤوليـات عظيمـة جـداً؟ تريـد أن تنفر وحدك من بين كل المخلوقات الأخرى التي خلقهـا الله ويدبـر شؤونهـا إلا أنـت وحـدك وأنت المخلوق الأساسي وأنت المخلوق الرئيسي؟ وأنت العنصر المهم في هـذا العالـم؟ أتستنكـر من الله أن يدبـر شأنـك؟ أتستغرب أن ينزل كتباً إليك وأن يبعث رسلاً إليك؟ لماذا؟
يجب أن ترى نفسك أيها الإنسان باعتبار أنك المخلوق الرئيسي في هذا الكون، في هذا العالم، الذي سُخر له هذا العالم بكله، أن تنظر إلى نفسك بأنك أحوج إلى ربك من أي مخلوق آخر في أن يتولى تدبير شؤونك ويهديك. الـذي {يُدَبِّـرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (السجدة:5) هل يمكن أن يهملك؟ بل تريد منه أن يهملك، إنه يدبر شؤون تلك المخلوقات الصغيرة. تلك النملة وتلك الفراشة وتلك الشجرة. المخلوقات الصغيرة هو الذي يدبر أمرها، وهي هي من مسؤوليتها محدودة ومهمتها محدودة ووجودها محدود.
أنت أيها الإنسان تريد أن تنفر من ربك ألا يدبر شأنك؟ وإذا ما أردت أن يدبر شأنك فإنما تريد أن يتجه إلى الجانب الخدمي فقط. أريد منه أن يمنحني أولاداً، أن يرزقني أولاداً أن يرزقني أموالاً، أن ينزل لي مطراً، أن ينبت لي أشجاراً، أن يجعلها تثمر، أن يبـارك لـي في مالي، أن يبارك لي. هذا الذي أريده. أليس هذا التدبير الذي يريده الناس؟
لماذا هذا الجانب فقط؟ هذا الجانب إنما هو ملحق للجانب المهم الواسع جـداً فـي حياتك، وهذا التدبير الذي تريده من إلهك هو سيأتي تلقائياً إذا ما اهتديت بهديه، إذا ما سلمت نفسك له أن يدبر شأنك بالشكل الآخر الذي أنت تنفر منه وهو جانب الإنذار، وجانب الهداية، جانب الإرشاد، جانب التوجيه، جانب التعليم. أليس هذا هو الجانب الذي يهرب منه الناس؟
تأملوا في هذه – مما يدلنا على غرابة موقفنا من الله سبحانه وتعالى – نحن جميعاً بني البشر مسلمون بأن التدبير هو لله، لكن نريد منه فقط أن يدبر شؤون المخلوقات من حولنا، أما شأننا نحن وهو الشأن الواسع، شأن جانب الهداية، رسم المنهجية في الحياة، الخطة التي نسير عليها في حياتنا، فنحن نتهرب من الله ولا نتركه هو أن يكون هو الذي يختص بوضعها لنا. أليس الناس هم من ينطلقون الآن ليصيغوا الدساتير والقوانين و التشريعات لأنفسهم؟ هم يريدون أن يتولوا هذا الجانب هم، وهذا هو الجانب المهم، هذا هو الجانب الأكبر.
كيف تنظر إلى الله هذه النظرة الغريبة. تريد منه أن يدبر شؤون المخلوقات من حولك ثم لا يتدخل في شؤونك كما يقال الآن: [الدين لا علاقة له بالحياة] أليس هذا ما يقال؟ علماء الدين لا علاقة لهم بالحياة. لا علاقة لهم بشـؤون الأمـة. لا علاقة لهم بحكم الأمة. أليس هذا إبعاداً للدين، إبعاد لهداية الله، إبعاد لله عن أن يتولى شؤون الإنسان؟ كيف لا يتولى شأنك وأنـت أنـت المخلـوق في هذه الدنيا الذي إذا استقمت ستستقيم الحياة كلها، وإذا فسدت ستفسد الحياة كلها {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَـتْ أَيْـدِي} من؟ البقر، أو الحمير، أو الطيور، أو مَـن؟ مَـن مِـن المخلوقات هذه الكثيرة جـداً فـي هـذا العالم الـذي ظهـر الفسـاد في البر والبحر على يده؟ إنهم الناس {بِمَا كَسَبَتْ أَيْـدِي النَّـاسِ} (الروم: 41).
إذاً فاعلـم بأنـك أنت المخلوق الذي لا بد من أن تسلم كل شؤونك لإلهك ليدبرها هو. أم أنك ترى نفسك أكبر من خلق السماوات والأرض! {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} (غافر: 57) إذا كـان الله هو الذي يدبر شؤون السماوات والأرض وهي أكبر من خلقك، ثم هي كلها مسخرة لـك، كـل مـا فيها، ثم استقامتها، أو فسادها مرتبط بك، فإنك من يجب أن يتوجـه التدبيـر الرئيسي إليه، وأن يتوجه التدبير على أوسع نطاق إليه، لتهتدي، لتستقيـم، فـإذا مـا استقمت ستستقيم الحياة كلها، حياتك أنت وحياة المخلوقات كلها من حولك، سينطلق كل شيء من حولك يؤدي مهمته على النحو الذي رسم له.
أليس هذا موقفاً غريباً منا جميعاً؟ من الناس جميعاً بما فيهم المسلمون، المؤمنون بهذا القرآن العظيم. أليسوا هم الآن من يصيغون لأنفسهم دساتير وقوانين؟ أليسوا هم من أبعدوا أنفسهم عن الله فيما يتعلق بالجانب المهم، جانب الهداية، جانب التشريع، جانب الإرشاد، جانب الإنذار؟ ثم هم من نزلوا قاعدة: [لا علاقـة للديـن بالحيـاة] [لا علاقـة للديـن بالدولة].

نحن سنضع شخصاً منا هو الذي يدبر شؤوننا، وهو الذي سيشرع لنا، أنتم وقرآنكم ابقوا هناك بعيداً داخل مساجدكم، داخل بيوتكم، على علماء الدين أن يبتعدوا هناك، نحن سنتولى تدبير شأن الأمة، ونحن سنضع الدساتير، ونحن سنصيغ القوانين، ونحن أعرف بمتطلبات العصر، ونحن أعرف بالمصالح لأمتنا ووطننا.
هكذا يقول الناس المؤمنون بالقرآن الكريم! وفي بقية الأمور يطلبون من الله أن يدبرها. أنزل لنا مطراً. أنبت لنا شجراً. اعمل لنا كذا وكذا وكذا. إلى آخره. أليس هذا من الجحود بالله؟ أليس هذا من التنكر لله سبحانه وتعالى؟ أليس معنى هذا أن يتحول الله – كما قلنا أكثر من مرة – إلى مجـرد عامـل معنا، مجرد عامـل معنـا؟ لا بأس دبر الأشياء تلك من أجل توفر ذلك لنا لأننا لا نستطيع أن ننبت الشجر لأنفسنا أنبتها. لكن قيمتها وتصريف قيمتها أين تسير؟ نحن الذين سنتولاها.
أوليس هناك الملايين من الدولارات، الملايين من الأموال تسير في الإفساد في الأرض؟ ومن أين جاءت هذه الملايين؟ جاءت من البترول الذي خلقه الله وأودعه للناس في الأرض، جـاء مـن مختلـف المصادر التي هي أساساً من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، من المعادن، من الثمار، من مختلف وسائل الإنتاج التي هي من مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
فنحن قلنا لله: حقول البترول نحن نؤمن بأنها منك، هذه المزارع الكبيرة هي منك ونريد منك أن ترعاها، لكن فيما يتعلق بتصريف منتجاتها نحن الذين سنصرفها كما نشاء. أولسنا نحن المسلمين فيما يتعلق بالزكاة ننظر هذه النظرة؟
نقول لله في واقعنا. [طلع لنا قات، طلع لنا بُن، طلع لنا حبوب، طلعها]. ومتى ما أصبحت نقوداً في أيدينا أعرضنا بوجوهنا عنه، قلنا: [هذا إلينا أنت ما تتدخل من الآن فصاعداً لا تتدخل في شأننا]. هل هذا صحيح؟ متى مـا قـال: {آتوا الزكاة} قلنا لماذا نعطي الزكاة، نحاول أن نتهرب منها. والزكاة كم هي 10% أو 5% أو 2.5% نسبة بسيطة جداً. يقول لنا: أنفقوا في سبيلي، نقول: لا.
{قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس:17) قتل الإنسان ما أجحده، ما أبعده عن معرفة ربه. {ظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم: 34) كما وصفه الله في القرآن الكريم.

╔════🌺═══╗
t.me/shahidzaid
╚════🌺═══╝

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com