دروس من هدي القرآن الكريم معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثاني عشر ملزمة الأسبوع | اليوم الثالث ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

دروس من هدي القرآن الكريم
🔹معرفة الله – وعده ووعيده – الدرس الثاني عشر🔹
ملزمة الأسبوع | اليوم الثالث
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 4/2/2002م | اليمن – صعدة
‏〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
هكذا يتنكر الإنسان لله الذي أحسن كل شيء خلقه والذي بدأ خلق الإنسان من طين، والذي خلقه ونقله في أطوار خلقه من حالة إلى حالة، ثم يتنكر لله ويكفر بكل تشريعاته، ويبعد نفسه عن كل هدايته.
والذي خلق الإنسان في هذه الدنيا، وخلق هذه الدنيا، وخلق هذا العالم بكلـه لـه غاية، وله نهاية، وللناس جميعاً يوم يرجعون فيه إلى الله.
لكن هذا الإنسان الجاهل الذي لم يعلم هذا التدبير الواسع من قبل الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض، وتدبير شؤونهما الواسعة التي تدل على قدرته العظيمة، حكمته العظيمة، علمه الواسع.
الله الذي بدأ خلق الإنسان من طين يقول هو فيما بعـد: {أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} (السجدة: 10) إذا متنا وأصبحنا تراباً وضعنا في الأرض وتلاشينا {أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}؟ بعيد أن نبعث من جديد. كيف يمكن؟ ألـم يقـل لك: ألم تعلم أنت أن الله بـدأ خلقـك مـن طيـن وأنـه خلقـك وخلـق أولادك. أليس الإنسان يعلم أن أولاده مخلوقون من ماء مهين؟ هو يعلم. {وَقَالُوا أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَـلْ هُـمْ بِلِقَـاءِ رَبِّهِـمْ كَافِـرُونَ} (السجدة:10).
المسألة ليست غامضة، أو أن الأدلة عليها ليست كافية، فيكون هذا التساؤل وجيهاً نوعاً ما، إنه جحود إنه كفر إنه كلام الذي لا يريد أن يصدق بالقضية، لا يريد أن يؤمن بها، هو رافض لها، لا يريد أن يقبل الإيمان بها، وإلا فهي واضحة جداً، أدلتها فوق الكفاية، أدلتهـا تدمـغ، تدمـغ كـل مـدارك الإنسـان ومشاعره ووجدانه.
الذي {بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} ألا يستطيع أن يعيد خلقـه مـن جديـد؟ بلى. يستطيع أن يعيده من جديد. {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أليس قولهم: { أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أليـس كفراً؟ لأنه استبعاد هنا، ليس استفهاماً، ليس سؤالاً. هل نحن سنبعث من جديد؟ هذا سؤال يمكن أن يجيب عليه، يجيب عليه القرآن يجيب عليه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، ممكن أن يجيب عليه، لكنهم تلفظوا به بشكل استغراب واستنكار واستبعاد. {أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }. بعيد لا يمكن.
أي: أنهم لا يريدون أن يؤمنوا، لا أن القضية هذه لا براهين عليها كافية، لا أدلة عليها دامغـة، هـذه حالـة تحصل عند الناس في ذلك الزمان بما يتعلق بالبعث، وتحصل عند كثير منا نحن المسلمون في قضايا متعددة.
مثلاً. [كيف يأمرنا الله باتباعهم وهم أناس مثلنـا، مـا هو الفرق بيننا وبينهم؟] أليس هكذا يقال؟ استفهام على هذا النحو؟ بل أنت في واقعك لا تريد أن تؤمن بالقضية لا أن الأدلة عليها ليست كافية. بل أنت لا تريد أن تؤمن بهذه القضية، أنت رافض لها {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أنت لا تريد أن تقبل بالإيمان بهذه القضية، لا تريد أن يتسرب إلى أعماق نفسك، وهذه هي من الحالات الخطيرة عند الإنسان، الحالات الخطيرة أن يحدد موقفاً مسبقاً لديه، يجعله معانداً متمرداً، يدفع كل شيء مهما كانت أدلته واضحة وقوية وجلية.
هذه توجهنا نحن إلى أن يكون الإنسان في واقعه منفتحاً على هداية الله، ومسلماً نفسه لله أن يتقبل منه، وسترى كل شيء أمامك، سترى أدلته كافية وفوق الكافية، في كل شأن من شؤون الدين، في كل شأن من شؤون الدين. متى ما آمنت بهذه. لكن إذا اتخذت هذا الموقف المسبق كما اتخذه هؤلاء {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} فهم يصرحون برفضهم لكن بأسلوب آخر، بأسلوب الاستبعاد وكأن القضية لا دليل عليها، هو نفس الأسلوب الذي يقوله شخص. [كيف يأمرنا الله باتباع أشخاص مثلنا، نراهم مثلنا، لا فرق بيننا وبينهم؟!] أليست عبارة (كيف) تحصل هكذا؟ الاستفهام نفسه. أنا رافض لا أريد أن أؤمن بهذه القضية ولا أرغب أن أتقبلها، فأقدم رفضي لها بصيغة (استبعاد) بالشكل الذي يوحي بأنه لا دليل عليها.
أدلـة البعـث أليسـت كثيرة جداً؟ كثيرة جداً جداً في القـرآن الكريـم منهـا هـذه: {الَّـذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} (السجدة: 7- 9) أليست هذه أدلة على أن من خلق هذه قادر على بعث عباده يوم القيامة؟ إنها لكافية.

لكن انظر مـاذا قالوا في مقابل تلك الأدلة الدامغة لما كان واقعهم أنهم كافرون من الأساس. أي رافضون لا يريدون أن يؤمنوا بها { أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} هكذا يقول الإنسان الكافر في نفسه، الرافض في نفسه أمام أي قضية من القضايا مهما كانت جلية، مهمـا كانـت واضحة. هكذا يقول لكن هذا القول لا ينفعه، انظر مـاذا قال بعد؟ مما يؤكد لنا ما قلناه: إنهم عندما قالوا: {أَءِذَا ضَلَلْنَـا فِـي الْأَرْضِ أَءِنَّـا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} إنهم يستبعدون ذلك لكن ليس استبعاد من لا يعرف الأدلة أو استبعاد قضية باعتبار أنه لا أدلة عليها، إنما استبعاد من هو جاحد ورافض في نفسه -{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} قل لهؤلاء: هناك بعث لا بد منه، وبعـث هـذه تفاصيلـه أمامكـم وهـذه بدايته، أنتم حتى هذا الموت الذي ترونه يومياً لبعضكم بعض ليس شيئاً تلقائياً أو شأناً يأتي مصادفة من شؤون الحياة، إنه هو قضية موكلة إلى طرف آخر من عبادنا {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} (السجدة: 11) لتعرفوا أنكم ستبعثون رغماً عنكم، أن بداية الرجوع إلى الله ستكون من متى؟ من الموت، الموت هو بداية الرجوع إلى الله، فقل لهم: إنهم سيساقون إلى الله رغماً عنهم، وأنه من أول حادثـة ومـن أول خطوة يساقون بها إلى الله هي خطوة نحن نتبناها، ملك موكل من عندنا يتوفاكم، لتعرفوا بأن جحودكم هذا لا يمكن أن يغني عنكم شيئاً.
وهكذا الحـق الذي تحاول أن تتهرب منه تهربك منه لا يعفيك عن المسؤولية أمامه، تهربك منه لا يعفيك عن آثاره، لا يعفيك عن آثار تهربك منه كعاصٍ ترتكب جريمة في تهربك منـه. عندمـا أرفـض هـل أرى نفسي بأنني أبعدت هذه القضية وكل آثارها عنّي؟ لا. إن البعث حق، ولا بد منه وإذا كنتم هكذا تقولون بسخرية واستبعاد، وإذا كنتم في الواقع إنما تنطلقون من واقع الكفر في أنفسكم فإنها قضية لا بد أن تقع، لا بد أن تحدث عليكم أنتم شخصياً، وهكذا هي مقدماتها من الموت {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَـوْتِ الَّـذِي وُكِّـلَ بِكُـمْ ثُـمَّ إِلَـى رَبِّكُـمْ تُرْجَعُـونَ} (السجدة: 11) الموت هو الخطوة الأولى في الرجوع إلى الله في العالم الآخر.
والموت نحن نجده هنا في القرآن الكريم وبمناسبة ذكره هنا ليس من الوسائـل التـي يأتي التخويف بها للناس، ليس من وسائل التخويف إطلاقاً داخل القرآن الكريم، ولهذا لا تجد الحديث عن المـوت إلا خاطفـاً وبسرعة ينتقل إلى اليوم الآخر، لأنه اليوم الشديد الأهوال، هو مـا يجـب أن تخافه، هو ما يكون الحديث عنه هو الذي يصنع الخوف في النفوس، هو الذي يملأ القلوب خوفاً ورعباً، أما الموت نفسه إنما هو الخطوة الأولى، وهو قضية طبيعية، قضية طبيعية، هو بداية الرجوع إلى الله.
ليس هو في حد ذاته ما يجب أن يخيف باعتباره حدثاً، ليكن خوفك هو من الرجوع إلى الله إلى اليوم الآخر، في اليوم الآخر يوم القيامة. ألم يأت الكلام عن اليوم الآخر في القرآن مكرراً جداً؟ بعض السور تكون من أولها إلى آخرها عن التخويف باليوم الآخر، هل ورد تخويف بالموت داخل آيات القرآن الكريم؟ لم يرد.
ليعرف أولئك الذين يتحدثون مع الناس ويرشدون الناس أنهم كم يغلطون، كم يرتكبون من خطأ جسيم عندما يتحدثون مع الناس عن تخويفهم بالموت نفسه، ثم يذكرون لهم أهوال القبر وعذاب القبر وكلامـاً فـي النعـش وكلاماً طويلاً، طويلاً عريضاً كله يحول الموت إلى شبح مخيف. أن هذا أسلوب يترك أثراً سيئاً جداً جداً يتخالف مع منهجية القرآن، ويخالف ما يريد القرآن منا.
إنه الذي يربي هذه الأمة تربية جهادية، الذي يربيك لتكون مجاهداً، هل ينطلق ليخوفك من الموت نفسه، وهو يريد منك أن تستبسل وأن تبذل نفسك في سبيل الله! لا يمكن هذا حتى ولا لقائد عسكري أن يعمله.
القائد العسكري وهو يعمل على رفع معنويات الجنود في ميدان المواجهة هل يأتي ليتحدث معهم عن القبر والنعش والأهوال، وهذه الأشياء الكثيرة؟ أم أنه يحدثهـم حديثـاً يجعلهـم يستهينـون بقضية الموت، يجعلهـم يتقافـزون، وتستخـدم حتـى الحركـات، وتستخدم حتى نغمات موسيقية معينة، وتستخدم حتى صرخات معينة، وأناشيد لها ألفاظها المعينة كلها تدفع بالإنسان إلى الاستبسال.
لكن تعال جمع كتيبة تريد أن يجاهدوا ثم اقرأ عليهم من كتاب [تصفية القلوب] أو من أي كتاب آخر مـن كتـب الترغيـب والترهيـب عـن النعـش والمـوت وسكرات الموت والقبر ثـم انظـر هـل سيتحـرك أحـد منهم؟ ستبرد أعصابهم ستجَمِّد نفوسهم.
الإنسان إذا تربى على الخوف من الموت وقيل له: إن الموت كذا وكذا، وعلى النعش كذا وكذا، والقبر مليء كذا وكذا إلى آخره يخاف مهما كان متركعاً مهما كان متعبداً ينشد إلى الحياة ويخاف أن يواجه، أن يدخل في مواجهة لا يريد أن يموت، لأنه أصبـح خائفـاً مـن شبح الموت.

التربية القرآنية هي التربية التي أخرجت ذلك الرجل الذي كان يقول: ((والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)) لكنـه كـان وهـو يتذكر اليوم الآخر، كان يتخشب جسمه خوفاً من الله، وخوفاً من اليوم الآخر، وهكذا حكى عنهم في قضية إنفاقهم وإطعامهم اليتيم والمسكين والأسير. {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} (الإنسان: 10) ما قال موت ولا ما موت، الموت لا وجـود لـه في القرآن الكريم إلا كحديـث عـن قضية هي أول خطوة إلى العالم الآخر، والقبر إنما هو غرفة كأي غرفة في بيتك.
يقال: جنة ونار وباب إلى الجنة ونافذة إلى النار. الجنة والنار لم تخلق بعد، الجنة والنار لم تخلق بعد كما قال الإمام الهادي نفسه (إن الجنة لم تخلق بعد)، منهجية مغلوطة تتحدث بها مع أمة وكمنهج.
قد يكون هذا أسلوباً فيما إذا استحسنه شخص معين أمام شخص معين أو مجموعة معينة وبشكل استثنائي مؤقت لا يصلح أن يكون منهجاً، لا يصح أبداً أن يكون منهجاً، مع أن الكثير من التفاصيل التي يقولونها حول الموت، وحول النعش، وحول القبر. غير صحيحة. غير صحيحة من أساسها.
عندما آتي أنا وكمرشد وبنظريتي القاصرة، ونظرتي القاصرة أريد أن أنتج أناساً أراهم يبكون وأراهم خائفين ويتجهون إلى الطاعات (نوع معين من الطاعات)، ويبتعدون عن المعاصي فأقول هؤلاء أولياء الله. تستطيع أن تنتج أناساً من هذه النوعية لكنك لو تدري كم جنيت عليهم، قد تراهم [أطياب] وتراهم فعلاً يبتعدون عن المعاصي وترى مظهرهم مظهر أولياء الله لكنهم من النوعية التي لا تقدم ولا تؤخر.
ذلك الرجل الذي كان ينطلق في الميدان ميدان الجهاد بكل قوة وبكل هدوء. ولا خوف ولا ذرة من الخوف في نفسه، هو من كان يقول: ((والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ)) لا أبالي ((لأنا آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)).
إذا كنت تريد أن تصنع خوفاً في نفوس الناس، وخشية من الله، خوفاً وخشية إيجابية لا سلبية معها إطلاقاً. فركز على ما ركز عليه القرآن الكريم على اليـوم الآخـر علـى الحديـث عـن اليـوم الآخـر عن تفاصيله، عن أهواله، عن شدائده، عن النار، عن الجنة. وهذا هو مـا ظهـر جلياً في القرآن الكريم أنه من أهم الوسائل لإيصال الخوف من الله والخشية من الله في قلوب الناس. حينها سترى أن تلك الأهوال الشديدة تلك النار الشديدة تهون عليك نفسك أن تبذلها ولو عدة مرات في الحياة وتسلم تلك الأهوال، تأمن أثناء تلك الأهوال، وتأمن من تلك النار الشديدة، وأن ذلك النعيم العظيم وذلك المقام الرفيع يجدر بك أن تستهين بنفسك فتبذلها عدة مرات في الحياة من أجل أن تصل إليه.
أوليس الناس هنا في الدنيا يستهينون بأنفسهم على [مشرب] على قطعة أرض قطعة أرض مزروعة [بن أو قات] أو [عرصة] منزل. مستعد أن يقاتل فيقتل، ويتهدد (بأنك لا يمكن أن تدخل لها من طرف – كما يقول البعض -: [إلا على رقبتي هذه]) أليس هذا استبسالاً؟ استبسال لأنه يرى هذه القطعة جديرة بأن يبذل من أجلها نفسه.
انظر إلى الجنة ستراها جديـرة بـأن تبـذل من أجلها نفسك عدة مرات فتحيا من جديد ثم تقتل من جديد ولو في كل معركة.
هنا فـي الدنيا أليس الناس يخافون؟ وقد يكون بعض المواقف تخيف الإنسان فيواجهها ولو بأن يبذل نفسه من أجل أن يأمن ذلك الجانب. ستجد جهنم بالشكل الذي ترى أنه يجب عليك أن تبذل نفسك ولو عدة مرات من أجل أن تنجو من جهنم. هذا هو أسلوب القـرآن الحكيـم، لأنـه مـن الناحيـة التربويـة مـن الناحية المنهجية تربوياً غير صحيح أن يقول: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ} (التوبة: 111) ثم ينطلق رسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) ليخوف الناس من الموت وهو أعظم مجاهد، وأعظم محرض على الجهاد بأسلوبه القوي بعباراته الجزلة بمعانيه الصحيحة، بتربيته المستقيمة.
الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) كان رجلاً قرآنياً يعرف منهجية القرآن لا يخالفه، لا يتعداه ولا خطوة واحدة، ثم يأتي ليخوف الناس من القبر ومن الموت ومن. ومن؟ حتى يجعلهم ينكمشون ويخافون، هل هذا منسجم مع التوجيهات للتضحية في القرآن؟ لا.
إذا كنت تريد أن تعرف المسألة جلياً فانظر إلى القادة العسكريين وهم يعملون على رفع معنويات الجيش أثناء المواجهة. اسمع البيانات العسكرية لتعرف كيف أننا نحن ونحن بشر أن هذه قضية مسلمة لدينا.

أنت قد تقول لأولادك إذا ما كنت في خصومة مع آخريـن تنطلـق لتشجعهـم علـى التضحيـة. أليـس كذلك؟ هل ستنطلق وأنت تتحدث عن خصومة حادة مع طرف آخر قد تصل إلى درجـة المواجهـة ثم تجمع أولادك في غرفة في بيتك وتحدثهم عن القبر وعن منكر ونكير، وعن النعش وعن كذا؟ هل يمكن هذا؟ لا يمكن. [أنتم رجال وليست إلا موتة]. أليس يقولون هكذا ؟ يشجعهم على الاستبسال وعلى التضحية. من هو ذلـك الأحمق الذي يمكن أن يعمل هذا مرة في حياته فيجمع أولاده ومعه خصم آخر ثم يحدثهم عن منكر ونكير، والقبر وضغطاته وأشياء كثيرة طويلة عريضة.
هل سيواجهون؟ أم سيأتي الصباح وكل واحد يبحث له عن مهرب ويقول: [يا أخـي الله غنـي، اتركوها، سيعوضنـا عـن هذه، لا داعي أن يضحي واحد بنفسه من أجل هذه، موت طويل عريض. ومقابر كذا ونعش كذا. وشدائد.. إلى آخره – لا أريدها فليأخذوها].
هل يمكن أن يحصل هكذا منا نحن الناس؟ فكيف يمكن أن يحصل ممن نزل القرآن الكريم؟ وهو الذي يعلم بخصائص النفس البشرية، وهو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، هل يمكن أن يصدر من رسول الله؟ الله اصطفاه، الله أكمله، هو نفسه يتبع ما يوحى إليه، وهو يعرف هذا القرآن بأبعاده، بعمقه، بغاياته البعيدة. فهو لا يمكن أن يصدر منه كلمة واحدة، أو موقف واحد، لأنه معلم للأمة ومرب الأمة. أليس كذلك؟ هو هادٍ للأمة لا يمكن أن يحصل مـن جانبـه شيء يتعارض مع منهجية القرآن ولو على بعد ألف كيلو، ولو على بعد هناك.
نحن في هذا الزمن بالذات مرشدون، معلمون، متى ما أحب إنسان أن يقال: [خطبة جميلة، أما هذه الناس بكوا منها]. يبحث للأحاديـث مـن داخل كتب الترغيب والترهيب، فيقدم الحديث الطويل العريض عن الموت والقبر.
القبر حفرة ترقد فيها، ويهال عليك التراب فيها. لا تشعر بشيء، لا تشعر بشيء. وبعض العلماء استنكر فعلاً واستعبد وأنكر قضية [منكر ونكير]، أنه حتى ليس في أسماء الملائكة هذه الأسماء المزعجة الغير طبيعية [منكر ونكير] من أسماء الملائكة؟ لا. اسم الـمَلك خازن جهنم. أليست جهنم أشد؟ اسمه مقبول [مالـك] أي واحـد منـا قـد يسمـي ابنـه بهذا الاسم الطبيعـي (مالـك) {وَنَـادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزخرف: 77) لمـاذا القبـر يضـع لـه ملكين واحد [منكر] وواحد [نكير] هذا مما استبعده علماء – وهو فعلاً مستبعد جداً – ومطرقة لا تستطيع أن تحملها [ربيعة ولا مضر]. وأشياء من هذه. فتش عن الميت بعد أيام ستراه لا يزال جسمه على ما هو عليه وإن كان كافراً، هم يموتون في المستشفيات ويتركون في الثلاجات فلا تسمع شيئاً.
يقـال للكفـار. أليـس الكافـر هـو الجدير بأن يعذب في القبر؟ {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} (المؤمنون: 112-113) والله مـا نـدري مـن يـوم ما قبض ملك الموت روحه إلى أن بعث بعد آلاف السنين، مرت كلا شيء {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} أليسوا يقولون هكذا يـوم القيامـة {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا}؟ لـو كـان القبـر مزعجـاً لفرحـوا أن يبعثـوا. ليتخلصوا من الإزعاج داخله، سموه [مرقداً] وهم كافرون، {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} فيقال لهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} (يـس: 52) أخرجوا الآن هذا هو اليوم الشديد، هناك سيقول الكافرون: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} (القمر: 8) ألم يقولوا للقبر مرقد، وقالوا ليوم القيامة: {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} يوم شديد يوم شديد الأهوال؟
ونحن بالعكس نتحدث عن القبر، وعن منكر ونكير، وعن الموت بتفاصيل كثيرة نجعله هو اليوم العسر، سيتشبث أحدنا بالحياة لا يريد أن يموت في سبيل الله، ولو كان في موته إعلاء كلمة الله في الدنيا كلها.
يقال: بأنه كان هناك أحد العباد كان إذا ذكر الموت عنده تنجس لكثرة ما تكرر على مسامعه، وقد يغلط الإنسان نفسه مع نفسه. يريد أن يعظ نفسه، يبحث لتلك الكتب التي فيها الأخبار من هذا النوع.

🔹 𝕏 (https://x.com/zaidmuslih) | ⓕ (https://www.facebook.com/profile.php?id=61551018320462) | ✆ (https://chat.whatsapp.com/JJprjjKmhTTAhBoSHI5b0U)
╔════🌺═══╗
t.me/shahidzaid
╚════🌺═══╝

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com