دروس من هدي القرآن الكريم 🔹 الثقافة القرآنية 🔹 البرنامج الرمضاني || اليوم السادس – الدرس الأول ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي بتاريخ 4/8/2002م | اليمن – صعدة

🟢دروس من هدي القرآن الكريم
🔹 الثقافة القرآنية 🔹
البرنامج الرمضاني || اليوم السادس – الدرس الأول
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 4/8/2002م | اليمن – صعدة
‏〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والصلاة والسلام على رسول الله، الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وأنزل عليـه الكتاب المبين لِيُعَلِّم الأمة ويزكيهم، صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين.
في البداية نعتذر للإخوة المعلمين وللطلاب جميعاً أننا لم نقم بزيارتهم إلى الآن، وليس ذلك عدم اعتبار لهذا العمل، أو عدم تقدير لما يقوم به الإخوة المعلمون والطلاب، وإنما لشواغل أخرى، ولثقتنا – أيضاً – أن في المدرسة من الإخوة المعلمين من فيهم الكفاية في التعليم وفي التوجيه وفي الإرشاد وفي التربية، وليس هناك حاجـة بالنسبـة لنـا، لكن هذه زيارة نتشرف بها لهذه المدرسة، نتشرف بها للإخوة المعلمين وللطلاب جميعاً، ولنتحدث معكم أيضاً لم نجعلها بشكل رسمي كمحاضرة، بل جلسة عادية طبيعية، ولنتحدث معكم ونشترك مع الإخوة المعلمين في توجيهكم بما ألهمنا الله، كما يقول الناس: (نريد مما ألهمك الله).
في البداية نقول: هي نعمة عظيمة علينا جميعاً، علينا كمعلمين وعليكم كطلاب أن يُتاح لنا جميعاً فرصة أن نُعلّم ونتعلم، ففي الحديث الشريف عن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله): ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة)) فهي نعمة، والله سبحانـه وتعالـى في القرآن الكريم – على الرغم مما تمنن به على عباده من نعم ماديـة كثيرة – يعُدُّ نعمة الهداية، نعمة الدين، نعمة الإسلام يعدها أعظم النعم على البشرية، أعظم النعم على الناس جميعاً.
لهذا نجد كيف ذكر الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية – ربما قد تكون ترددت في القرآن أربع مرات – وهو يذكر للناس أنه قد مَنّ عليهم بنعمة عظيمة {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:164) وفي هذه الآية يقول: {هُوَ الَّـذِي بَعَـثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِين} (الجمعة:2).
شر الضلال والآثار السيئة للضلال تعتبر بالنسبة للإنسان أشد وأفتك وأسوأ من أن تنقص عليه نعم مادية أخرى، أسوأ من الجوع، أسوأ من الفقر، أسوأ من المرض؛ لأن تلك مصائب وأضرار أو شرور قد لا يترتب عليها آثار سيئة جداً، أما الضلال، أما مصيبة الضلال، أن يعيش الإنسان في ضلال، أن يعيش الناس في ضلال فإن آثاره سيئة جداً في الدنيا وفي الآخرة، ومن أسوأ عواقب الضلال هو الخلود في جهنم – نعوذ بالله من جهنم – يمكن أن تجوع فتسُد رمقك بأي شيء، حتى ولو من النباتات، ولا يؤدي بك الجوع إلى جهنم، يمكن أن تعاني في فترة من حياتك ظروف صعبة، تعاني من الفقر أو المرض لكنه لا يؤدي بـك هـذا إلى جهنم.
أما الضلال فإنه يؤدي بالناس إلى الخزي في الدنيا، إلى الذلة، إلى القهر، إلى العبودية لأولياء الشيطان، إلى الخضوع للفساد والباطل، وبالتالي سوء الممات، سوء البعث، سوء الحساب والخلود في جهنم.
فالله عندما يذكّر عباده بأنه منّ عليهم برسوله (صلوات الله عليه وعلـى آلـه)، ومنّ عليهم بأن أنزل عليه القرآن، يتلوه على الناس يُعلمهم به، يزكيهم به، {وَيُزَكِّيهِمْ وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}. {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} (الجمعة:3) أولئك الذين عاصروه نعمة كبيرة عليهم، ومِنّة عظيمة منّ الله عليهم، هم ومن بعدهم {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} من الناس من الأميين {لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم*ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة:3-4) هذا فضلٌ عظيم من الله أن يبعث الرسول (صلوات الله عليه وعلـى آلـه)، في الأميين.
كلمة (أمِّيين) تطلق على العرب؛ باعتبار أنهم كانوا فيما يتعلق بالقراءة والكتابة لم تكن منتشرة فيهم، وقد يكون اسماً يطلق على من سوى أهل الكتاب من الأمم، ولا تزال تستخدم إلى الآن عند أهل الكتاب أنفسهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} (آل عمران: 75) وكيفما كانت إذا كان العرب أمـة أمّيـة، ليـس لها ثقافة، ليس في أوساطها أعداد كبيرة مـن المثقفيـن مـن العلمـاء، أمـة تعيـش حالة بدائيـة؛ فـأن تحصـل على هذه النقلة العظيمة من مرحلة البدائية مرحلة الأمية إلى أن تُمنح هذا القرآن العظيم، الذي جعله الله مهيمناً على كل الكتب السماوية السابقة.

القرآن كتاب عظيم، كتاب واسع، ثقافته عالية جداً، عالية جداً تجعل هذه الأمة – لو تثقفت بثقافته – أعظم ثقافة، وأكثر إنجازاً، وأعظم آثاراً في الحياة، وأسمى. أسمى روحاً، وأسمى وضعية، وأزكى وأطهر نفوساً من أي أمة أخرى، إنه يقول: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} فتكون نفوسهم زاكية، مجتمعهم زاكي، حياتهم زاكية، نظرتهم صحيحة، رؤيتهم صحيحة، أعمالهم كلها زاكية.
{وَيُعَلِّمُهُـمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَـةَ} الكتـاب هـو القـرآن الكريم، كرره مرتين في هذه الآية؛ لأنه هو المهمة الرئيسية للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هو أن يتلو الكتاب على الناس، يعلم الناس بهذا الكتاب، عمله كله يدور حول القرآن الكريم، يتلو عليهم الكتـاب {يَتْلُـو عَلَيْهِـمْ آيَاتِـهِ} التـي هـي القـرآن الكريم.
{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَـةَ} الحكمـة هنـا ما هي؟ عادةً يقول بعض المفسرين أنها السُنة. يسمونها السنة. الكتاب والحكمة قالوا: الكتاب والسنة، هذا غير صحيح، غير صحيح.
الحكمة: أن تكون تصرفاتهم حكيمة، أن تكون مواقفهم حكيمة، أن تكون رؤيتهم حكيمة. الحكمة هي تتجسد بشكل مواقف، بشكل رؤى، بشكل أعمال، هي تعكس وعي صحيح، وعياً راقياً، تعكس زكاءً في النفس، تعكس عظمة لدى الإنسان، وحكمة في الأمور. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}؛ وليست الحكمة هي السنة كما يقول بعض المفسرين لأن الله قال في آية أخرى لنساء النبي {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} (الأحزاب:34) هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت؟- أو يذكرن ما يتلى من أحاديث في بيوتهن- فهل كان الحديث يتلى كما يتلى القرءان؟.
القـرآن اسـم عـام للقـرآن الكريـم: والقرآن الكريم داخله آيات، وكلمة (آيات القرآن) لا تعني فقط الفقرة من الكلام ما بين الرقم والرقم، ما بين الدائرة والدائـرة، آياتـه حقائقه وأعلامه فيما يتعلق بالحياة بصورة عامة، فيما يتعلق بالتشريعات بصورة عامة، فيما يتعلق بالهداية بشكل عام.
والقرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة كما قال في سورة [الإسراء] بعد أن ذكر عدة وصايا حكيمة {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} (الاسراء: 39).
كلمة (حكمة) في القرآن الكريم لا تعني سُنة إطلاقاً. لا تعني سُنة إطلاقاً رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) مُهمتُه هو أن يعلم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات وهي: أعلام وحقائق في كل مجال تتناوله.
{وَيُزَكِّيهِمْ} تزكوا نفوسهم تسمو تطهر، وعيهم يرتقي يرتفع بما فيه من الحكمة؛ ولهذا جاء في أكثر من آية يصف القرآن الكريم بأنه كتاب (حكيم)، وسمّاه في أكثر من آية بأنه (حكيم)، وأن آياته (أُحْكِمَت)، وأن آياته (محكمة) إلى آخر مـا فـي القرآن الكريم من ثناء على نفس القرآن. أنه في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفـون بثقافتـه يُمنحـون الحكمـة. والعكـس، الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن، لا يهتمون بالقـرآن سيفقـدون الحكمـة، وسيظهـر مـدى حاجـة الناس إلـى الحكمـة فـي المواقـف المطلوبـة منهم في القضايا التي تواجههم.
مثلاً الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية، الأمة الإسلامية، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين ومن علماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً، تجد موقف الناس الآن بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة، أي هم فقدوا الآن المواقف الحكيمة مما يواجهون، والرؤية الحكيمة لما يواجهون، والنظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون.
فقدوا الحكمة فعادوا إلى الأُمية، عدنا إلى الأمية من جديد، بينما الله سبحانه وتعالى كان قد أنقذنا من تلك الأمية، لما كنا عرباً بدائيين لا نعرف شيئاً: لا ثقافة، لا تعليم، لا وعي، وعي يكون بمستوى قضايا عالمية، قضايا تهم الإنسان كإنسان بصورة عامة.
عدنا من جديد إلى الأمية على الرغم من وجود القرآن الكريم فيما بيننا، على الرغم من أننا نقرأ ونكتب، ومـدارس متعـددة وصحـف ومجلات ومكتبات في الشوارع، ومكتبات عامة في الجامعات، ومراكز علم كثيرة جداً، مدارس أساسية مدارس ثانوية وجامعات ومراكز علمية ومكتبات تملأ الشوارع، وكتب على الأرصفة أيضاً تُباع، ومجلات كل يوم تصدر أو كل أسبوع، لكن لا يمكن أن يُخرج العرب من الأمية إلا القرآن الكريم، فتصبح أمـة ثقافتهـا أعلى من ثقافة الآخرين، مواقفها حكيمة، رؤيتها حكيمة.

الآن أصبح وضعنا وضعاً رهيباً جداً، ومؤسفاً جداً، الآن ليس هناك رؤية في الساحـة، ليـس هنـاك موقف في الساحة للعرب، ها هم مستسلمين الآن، ونرى مع الأيام كل مرة إنجاز لأمريكا وإسرائيل في سياستهم، كل مرة إنجاز، كل مرة يسوقون العرب إلى تنازلات، إلى تقديم استسلام أكثر، وأشياء من هذه، وبقيت الأمة كلها مستسلمة، هل هذا موقف حكيم؟ ليس موقفاً حكيماً. بل الرجل العادي من الناس يقول: [ماذا دهى العرب؟ لـو أن العـرب اجتمعـوا، لـو أن الزعماء اجتمعوا لاستطاعوا ضرب إسرائيل]. أي مُحلل عادي من الناس يشهد بأن وضعية العرب هذه كلها ليست من الحكمة في شيء.
إذاً فنحن عندما نتعلم يجب أن يكون همّنـا هـو مـاذا؟ أن نتعلـم القـرآن الكريـم، ثقافتنا تكون ثقافة قرآنية، عنوان حركتنا ونحن نتعلم ونُعلّم ونحن نُرْشِد ونحن في أي مجال من مجالات الثقافة أن ندور حول ثقافة القرآن الكريم.
وعندمـا نقول: نحن نريد لهؤلاء الطلاب أن يتعلموا القرآن الكريم ربما قد شُوِّهت صورة القرآن فيفهم الطالب أن معناه [أن يكون له مَعْشَر يُسَمِّعه ومعشر ثاني يوم يسمعه حتى يكمل المصحف ويرجع من جديد] أي أن يقرأ القرآن ثم يعيده بالشكل المعروف سابقاً.
القرآن علوم واسعة، القرآن معارف عظيمة، القرآن أوسع من الحياة، أوسع مما يمكن أن يستوعبه ذهنك، مما يمكن أن تستوعبـه أنـت كإنسـان فـي مداركـك، القرآن واسـع جداً، وعظيم جداً، هـو ((بحر)) – كما قال الإمام علي عليه السلام – ((بحر لا يُدرَك قعره)).
╔════🌺═══╗
t.me/shahidzaid
╚════🌺═══╝

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com