دروس من هدي القرآن الكريم لتحذن حذو بني إسرائيل ملزمة الأسبوع | اليوم الأول ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ 7/2/2002م | اليمن – صعدة
‏〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي اصطفاه الله لأداء أمانتـه، وتبليـغ رسالتـه، وهدايـة عبـاده، من بعثه ليتمم مكارم الأخلاق، ليزكي العباد، ليطهر نفوسهم، ليجعل منهم أمة سامية في روحها، مصلحة في أعمالها، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ورضي الله عن شيعتهم الميامين.
السلام عليكم أيها الأخوة ورحمة الله وبركاته.
نقول: بارك الله في جمعكم، وتقبل منكم، وجعلكم من أنصار دينه، ومن الهادين إلى صراطه المستقيم، ومن الذابين عن حرمه.
في هـذه الجلسـة نحـب أن نستعـرض – كما وعدنا في الأسبوع الماضي – صوراً عرضها القرآن الكريم عن أنبياء كرماء، عظماء، هم من بني إسرائيل، وعن أمة نبذت كتاب الله وراء ظهرها، واشترت بآيات الله ثمناً قليلاً، وانطلقت لتفسد في الأرض، هم أيضاً من بني إسرائيل.
ونحن العرب الذين كرمنا الله بهذا القرآن العظيم وبنبيه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، الرسول العربي الذي امْتَنَّ الله به على المسلمين، قد مُنحوا أعظم مما منح الله بني إسرائيل، وامتن الله عليهم، ومنّ عليهم كما منّ على بني إسرائيل.
بنو إسرائيل الذين نلعنهم يجب أن نتعرف أولاً: هل نحن نسير على هدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، وعلى هدي أولئك الأنبياء العظماء من بني إسرائيل؟ أم أننا نلعن بني إسرائيل ونحن في الوقت نفسه نتخلق بأخلاقهم، نتثقف بثقافتهم، نسلك سلوكهم، نقف مواقفهم، نتأثر بهم في كل مجالات حياتنا؟
حتى تتضح الرؤية لدينا، وحتى يتضح الموقف لدينا، لنصحح وضعيتنا في أنفسنا، ولنعمل جميعاً على قطـع كـل الوسائـل التـي توصـل خبثهم إلينا.
في هذه الآيات المباركة التي سمعناها من كتاب الله الكريم عرضت صوراً متعددة عن أولئك الذين منّ الله عليهم بأن جعل فيهم أنبياء، وجعلهم ملوكاً، وآتاهـم مـا لـم يـؤتِ أحـداً مـن العالمين، عن أولئك الذين حظوا برعاية فائقة من قبل الله سبحانه وتعالى، ثم تحولوا إلى مفسدين في أرضه، إلى صادين عن سبيله.
لنعرف أيضاً بأنه إن اتضح الأمر جلياً أننا في واقع حياتنا متأثرون ببني إسرائيل، فلنعرف أننا سنكون أجدر منهم بأن يضربنا الله بأعظم مما ضرب بني إسرائيل أنفسهم.
لأن الله عندما ذكر لنا في كتابه الكريم كيف آل أمرهـم، وكيـف تحولـوا مـن النور إلى الظلام، ومن الإصلاح إلى الإفساد، ومن الاعتزاز بكتب الله وأخذها بقوة إلى نبذها وراءهم ظهرياً، ومن العمل لنصر الدين وإعلاء كلمته إلى الاشتراء به ثمناً قليلاً، كلها ذكر أنها كانـت هـي الأسباب لتلك العقوبات العظيمة التي عاقبهم الله بها، وأنها سنة إلهية، ما عمله ببني إسرائيل يمكن أن يعمله حتى بآل محمد أنفسهم إذا ما سلكوا طريقة بني إسرائيل، سيعمله بالعرب أنفسهم إذا ما سلكوا طريقة بني إسرائيل.
وللأسف الشديد أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قال ذلك اليوم: أن الأمة ستسير سيرة بني إسرائيل ((لتحـذن حـذو بنـي إسرائيـل حـذو القُذَّة بالقذة، والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضَبٍّ لدخلتموه)).
وفعلاً شهد الواقع، شهد هذا الزمان أننا أصبحنا نتنكر لكتاب الله، نتنكر لهدي رسل الله، نتنكر حتى لقيمنا العربية وننطلق وراء بني إسرائيل، ننطلق وراءهم باعتزاز، ونحن نقول: هذه هي الحضارة، هذا هو التقدم، هذا هو التطور، وهذا هو التمدّن، ولم نشعر بأنه الانحطاط، وأنـه الذلـة، وأنـه الدنـاءة، وأنه الضلال والضياع.
فيما يتعلق ببيع الدين بالدنيا ذكر الله عن بني إسرائيل في أكثر من آية من كتابه الكريم أنهم كانوا يبيعون الدين مقابل الدنيا، يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً، والاشتراء بمعنى: يبيعون هم الدين دون أن يُلجَؤوا إلى أن يبيعوه، هم من يبحث عن بيعه، الاشتراء يعني: أنهم هم يطلبون الآخرين أن يبيعوا الدين مقابل مواقف معينة، مقابل ثمن معين من حطام الدنيـا. ومـاذا تـدل عليه هذه الحالة؟ تدل على أن الدين لا قيمة له في نفوسهم، لا قيمة له عندهم.
ومن العجيب أن يكون الدين هكذا في أنفسهم لا قيمة له بعد أن منّ الله عليهم، بعد أن أنقذهم، وبماذا منّ عليهم؟ وبماذا أنقذهم؟ ألم يَمُنّ عليهم بموسى (عليه السلام) الذي أنقذهم من عذاب فرعون وآل فرعون؟ وموسى عليه السلام نبي من أنبياء الله.
إن الدين هو الذي أنقذهم من العذاب، والظلم والاستضعاف، إن الدين هو الذي أعزهم يوم أورثهم الله مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِـي بَارَكْنَـا} (الأعـراف: مـن الآيـة 137) ثـم فـي لحظة يتنكرون لهذا الدين الذي إنمـا اعتزوا على يديه، إنما استقرت أوضاعهم وسعدت حياتهم على أيدي أنبيائـه، يصبـح هكـذا سلعـة تباع ويبحثون عمن يشتريها، وبالطبع الطرف الآخر لا يشتري الدين منهم، إنما معنى المسألة أنهم ينبذون الدين، يرمون بالدين عرض الحائط مقابل ثمن من الدنيا.
ولاحظنا أنه في القرآن الكريم يتحدث في كل موضع يذكر فيه هذه الحالة يسمي ذلك الثمن (ثمناً قليلاً ثمناً قليلاً) حتى ولو كانت الدنيا بأكملها، إنها ثمن قليل، الدنيا بأكملها مقابل شيء من دينك تبيعه إنـه ثمـن قليل، إنك بعت نفسك، بعت إلهك، بعت أنبياءك، بعت كرامتك، بعت جنتك، بعت عزتك، وبعت إنسانيتك.
ألم يقل الله عن أولئك الذين يتنكرون للدين، ولا يهتدون بهدي الدين: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} (الفرقان: من الآية 44)؟ إن الإنسان يبيع إنسانيته، إن تكريم الله له أعظم تكريم يتمثل في الهدي الـذي مـنّ به عليه ليسير عليه فيحظى بتلك الكرامـة، ويكون جديراً بتلك الكرامة، أما إذا تنكر للدين فإنه يصبح في واقعه وهو إنسان يصبح أضل من تلك الأنعام { إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}.
يقول عنهم سبحانه وتعالى: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} (البقرة: من الآية 41) لا ينبغي لمثلكم إذا كنتم تتذكرون نعمة الله عليكم أنها كانت كلها بواسطة الدين، وعلى يد الدين، وعلى يد الرسل الذين جاءوا بهذا الدين فلا ينبغي أن تكونوا أول كافر بمحمد، وأول كافر بالقرآن الكريم.
{وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} (البقرة: من الآية41). ويقول أيضاً: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَـا يَأْكُلُـونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: 174) { إِنَّ الَّذِيـنَ يَشْتَـرُونَ بِعَهْـدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } (آل عمران: من الآية 77) {وَإِذْ أَخَـذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران:187) ألم يقل هنا ثمناً قليلاً، ثمناً قليلاً؟ إن كـل مـا بأيدي اليهود الآن، وهو تلك الممتلكات الهائلة في مختلف أقطار الدنيا إنها عند الله ثمن قليل مقابل ذلك الدين الذي نبذوه وراء ظهورهم، مقابل هدي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهذا القرآن الكريم الذي أمرهم الله أن يؤمنوا به كما أمر بقية عباده، إنه ثمن قليل ويجب أن نفهم نحن، ومـا أكثـر النـاس مـن المسلمين أنفسهم الذين يبيعون الدين بثمن قليل.
الدين لا يعني أنك كفرت به بلسانك وصرحت بنبذه، أليس بنو إسرائيل الآن لا يزالون يطبعون التوراة والإنجيل ويوزعونها‎؟ أليسوا إلى الآن لديهم إذاعات تدعو إلى النصرانية وتتحدث عن المسيح، وتتحدث عن أعلام الديانات اليهودية أو النصرانية؟ أليس ذلك قائماً؟ مـاذا يعنـي الاشتـراء؟ إنـه عندما يعرض الباطل بشكل مال، بشكل مصالح، بشكل مكانة أو مقام معنوي ينطلقون فيه ويتركون الدين.
أوليست هذه حالة لدينا على نطاق واسع في أوساط المسلمين؟ بكل بساطة، وبدون اكتراث يدخل أحدنا في موقف باطل، يعمل على أن يحصل على مصلحة ولو من طريق باطلة غير مشروعة ولا يبالي أن دينه يحرم عليه هذا، ولا يبالي أن دينه يهدده إذا ما دخل في هذا، هذا هو البيع للدين ولو في موقف واحد، ولو في قضية واحدة.
ألسنا في الانتخابات ينطلق أعضاء [مجلس النواب] فيقولون: [سنعمل لكم وسنعمل وسنعمل] يعدون هذا بوظيفة، وهذا يعدونه برتبة عسكرية، وهؤلاء يعدونهم بمدرسة، وأولئك يعدونهم بشق طريق، وأولئك يعدونهم بمستوصف، وفلان يعدونه بأنهم إذا ما وصل إلى مجلس النواب سيقـف معـه، وسيعمـل علـى حـل مشكلته، وسيحاول أن يكون موقفه هو الأعلى ضد خصمه، فننطلق للتصويت لمن يترشح دون أن نلحظ هل أننا – من وجهة نظر ديننا – وقفنا موقفاً ينسجم مع الدين أم أنه متخالف ومخالف له؟ لا نبالي.
ألم يبع الناس في كثير من المناطق أصواتهم لأعضاء قد يكون بعضهم ليس من الدين في شيء، ولا تهمه مصلحـة الديـن، ولا تهمـه مصلحـة الأمة، ولن يفي بوعوده، يبيعون أصواتهم بقليل من السكر، أو من الأرز، أو بتُّنور غاز، أو بأي شيء من الوعود.

مـا الـذي يـدل على أن هناك سوق كبيرة قائمة؟ هو أننا نرى كل من يترشح هل تسمع من أحد كلمة يقول فيها: أنه سيعمل على إعلاء كلمة الله، أو أنه سيعمل على نصر الدين، أو انه سيعمل على محاربة المفسدين في أرض الله، أو الظالمين لعباد الله. هل نسمع عبارات من هذه؟ لأن هذه بضاعة غير نافقة، لن يحصل على صوت واحد، البضاعة النافقة هي أن نقول: [سنعمل لكم، ونعمل ونعمل،] أشياء من حطـام الدنيـا، مصالـح، ماديـات، فننطلق نصوت ولا نلحـظ أي جانب من الجوانب التي هو عليها في واقعه مخالف للدين، [حقيقة هو لا يصلي، وإنسان فعلاً عدو لله لكن وعد أنه سيهب لنا ويهب لنا]… إلى آخره. أليس هذا حاصلاً؟ حتى نعرف أنه حاصل – وأكرر – أنها هي السلعة التي ينزلها المرشحون في كـل انتخابـات، ومتـى رأينـا دعاية، متى رأينا وعوداً من أحد المترشحين – سواء كان لرئاسة الجمهورية، أو لمجلس النواب – يتحدث عن جانب الدين، يتحدث عـن جانـب المحاربيـن للدين، أو يتحدث عن الأشياء المهمـة بالنسبـة للأمـة، الجانـب الزراعي مثلاً‎، أنه سيعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي للوطن، هل نسمع عبارات من هذه؟ لا شيء.
من أين جاءنا هذا؟ أننا فعلاً كما قال الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((لتحذن حذو بني إسرائيل)).
ألم يقل الله لهم: {أُولَئِكَ مَـا يَأْكُلُـونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} (البقرة: من الآية174) هؤلاء الذين اشتروا بدين الله، بعهد الله، بأيمانهم ثمناً قليلاً {أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (البقرة: من الآية174) تعبير عن إعراضه، عن أي شيء فيه رحمة لهم يوم القيامـة، إعـراض عنهـم أولئك ليس لهم جزاءً إلا النار، سوء الحساب، وجهنم، {وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: من الآية174). ويقول في الآية الأخرى: {فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (آل عمران: من الآية187) أن يبيعوا الدين مقابل ثمن.
هنا هو لا يقول: بأنهم لم يبيعوا الدين بالثمن الـذي يساويه، إنما قال ثمناًً قليلاً في كل المواضع يقول ثمناً قليلاً ليس اعتراضه على أساس أنهم باعوه بـ(250) لو باعوه بـ(1000) كان أفضل ولو باعوه بـ(1000) لما قال ذلك، لكن المشكلة أنهم باعوه بثمن قليل هو (250). إن كل شيء في مقابل الدين هو ثمن قليل وإن كانت الدنيا بملئها ذهباً هـي ثمنه فهـي قليل، لأنك تبيع نفسك، لأنـك توبـق نفسـك توقعها في جهنم.

╔════🌺═══╗
t.me/shahidzaid
╚════🌺═══╝

 

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com