🟢دروس من هدي القرآن الكريم 🔹دروس من وحي عاشوراء🔹 ملزمة الأسبوع | اليوم الأول ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي 10/1/1422هـ | 23/3/2002م | اليمن – صعدة
🟢دروس من هدي القرآن الكريم
🔹دروس من وحي عاشوراء🔹
ملزمة الأسبوع | اليوم الأول
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
10/1/1422هـ | 23/3/2002م | اليمن – صعدة
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمـد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين، لينقذ الأمة من الطغيان، والشرك، والجهالة ويخرجهم من الظلمات إلى النور، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، الذين نهجوا نهجه، وسلكوا طريقه، وحملوا رايته، ونصحوا لأمته.
في هذا اليوم، يوم عاشوراء، في هذا اليوم، يوم العاشر من محرم وقعت فاجعة عظيمة ومأساة كبرى في تاريخ هذه الأمـة، الأمـة التـي دينها الإسلام، وسماها الله ونبيها: المسلمين. تلك الفاجعة كان المفترض ألا يقع مثلها إلا في تلك العصور المظلمة، في عصر الجاهلية، في عصر الشرك، في عصر الظلمات، كان الشيء المفترض والطبيعي لحادثةٍ مثل هذه ألا تكون في عصر الإسـلام، وفـي ساحـة الإسـلام، وعلـى يـدي من يسمون، أو يحسبـون علـى الإسـلام، فمـا الـذي حصل؟
لم نسمع في تاريخ الجاهلية بحادثة كهذه! ما الذي جعل الساحة الإسلامية مسرحاً لمثل هذه المآسي؟ لمثـل هـذه الأحداث المفجعة؟ ما الذي جعل من يسمون أنفسهم مسلمين، ويحسبون على الإسلام هم من ينفذون مثل هذه الكارثة؟ مثل تلك العملية المرعبة المفجعة! وضد من؟ ضد من؟ هل ضد شخص ظل طيلة عمره كافراً يعبد الأصنام، ويصد عن الدين؟ هل ضد رجل عاش حياته نفاقاً ومكراً وخداعـاً وظلمـاً وجبروتاً؟ كان هذا هو المفترض لأمـة كهـذه، أن يكون لها موقف كهذا أمام أشخاص على هذا النحو: كفر وشرك وطغيان وجبروت وظلم ونفاق. لكنَّا نرى أن تلك الحادثة التي وقعت في الساحة الإسلامية، وعلى يد أبناء الإسلام، بل وتحت غطاء الإسلام وعناوين إسلامية، وخلافة تسمي نفسها خلافة إسلامية، نرى أن ذلك الذي كان الضحية هو من؟ هو واحد من سادة شباب أهل الجنة (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة). هو ابن سيد النبيين، هو ابن القرآن، هو ابن سيد الوصيين، وسيد العرب، علي بن أبي طالب، هو ابن سيدة النساء فاطمة الزهراء، هو ابن سيد الشهداء حمزة.
ما الذي جعل الأمور تصل إلى أن يصبح الضحية في الساحة الإسلامية وتحت عنوان خلافة إسلامية وعلى يد أبناء هذه الأمـة الإسلاميـة؟ أن يكـون الضحية هو هذا الرجل العظيم؟ إنه حدث – أيها الإخوة – مليء بـالـدروس، ملـيء بالعبـر. ومـا أحوجنـا نحـن فـي هـذا الزمـن إلـى أن نعود إلى تاريخنا من جديد، إلى أن نعود إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) فنتطلع في سيرته وحركته الرسالية، منذ أن بعثه الله رسولاً إلى أن صعدت روحه الشريفة للقاء ربه، إلى أن نعود إلى علي (عليه السلام) لنقرأ سيرته وحركته في الحياة، إلى أن نعود إلى الحسن وإلى فاطمة الزهراء وإلى الحسين، إلى الحسين الذي نجتمع هذا اليوم لنعزي أنفسنا بفقد مثله، وإلى أن نستلهم في هذا اليوم بالذات ما يمكننا أن نفهمه من دروس وعبر من تلك الحادثة التي كان هو وأهل بيته ضحيتها. حادثة كربلاء فاجعة كربلاء هل كانت وليدة يومها؟ هل كانت مجرد صدفة؟ هل كانت فلتة؟ أم أنها كانت هي نتاج طبيعي لانحراف حدث في مسيرة هذه الأمة، انحراف في ثقافة هذه الأمة، انحراف في تقديم الدين الإسلامي لهذه الأمـة مـن اليوم الأول الذي فارق فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) هذه الأمة للقاء ربه؟
إذا ما فهمنا أن حادثة كربلاء هي نَتـاج لذلـك الانحـراف، حينئذٍ يمكننا أن نفهم أن تلك القضية هي محط دروس وعبر كثيرة لنا نحن، من نعيش في هذا العصر المليء بالعشرات من أمثال يزيد وأسوأ من يزيد.
إن الحديث عن كربلاء هو حديـث عن الحق والباطل، حديث عن النور والظلام، حديـث عـن الشر والخير، حديث عن السمو في أمثلته العليا، وعن الانحطاط، إنه حديـث عـن مـا يمكن أن تعتبره خيراً، وما يمكن أن تعتبره شراً، ولذا يقول البعض: إن حادثة كربلاء، إن ثورة الحسين (عليه السلام) حدث تستطيع أن تربطه بـأي حـدث فـي هذه الدنيا، تستطيع أن تستلهم منه العبر والدروس أمام أيٍّ من المتغيرات والأحـداث فـي هذه الدنيا، لذا كان مدرسة، كان مدرسةً مليئة بالعبر، مليئةً بالدروس لمن يعتبرون، لمـن يفقهـون، لمـن يعلمـون.
الإمـام علي (عليه السلام) عندما آلت الخلافة إليه كان أمامه عقبة كؤوداً، شخص معاوية في الشام. أول قرار اتخذه الإمـام علـي (عليه السـلام) هو أنه يجب عزل هذا الرجـل ولا يمكن أن يبقى دقيقة واحـدة فـي ظـل حكم علي، يحكم منطقة كالشام باسم علي، وباسم الإسلام. البعض نصح الإمام علياً (عليه السلام) بأنه ليس الآن وقت أن تتخذ مثل هذا القرار، معاوية قد تمكن في الشام، انتظـر حتـى تتمكـن خلافتـك ثـم بإمكانـك أن تعزله. يبدو هذا عند من يفهمون سطحية السياسة، وعند من لا يصل فهمهم إلى الدرجـة المطلوبـة بالنسبـة للآثار السيئة، والعواقب الوخيمـة لأن يتولى مثل ذلك الرجل على منطقة كَبُرَت أو صَغُرَت، على رقاب المسلمين، كمعاوية، تبدو هذه فكرة صحيحة.
دعه حتى تتمكن ثم بإمكانك أن تغيره بعد. الإمام علي (عليه السلام) قال: لا يمكن. واستشهـد بقـول الله تعالـى: {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (الكهف:51) عوناً ومساعداً، لأن من تعينه والياً على منطقة، أو تقرُّه والياً على منطقة مـا، يعنـي ذلـك أنك اتخذته ساعداً وعضـداً، يقـوم بتنفيـذ المهـام التـي هـي مـن مسؤوليتك أمام تلك المنطقة أو تلك. عندما نعود إلى الحديث مـن هنا هو من أجل أن نعرف ما الذي جعل الأمور أن تصل إلى هذه الدرجة فنرى الحسين صريعاً في كربلاء، إنها الانحرافات الأولى. الإمـام علي لم يقرّ أبداً معاوية والياً على الشام وعندما استشهد بقول الله تعالى: {وَمَا كُنْـتُ مُتَّخِـذَ الْمُضِلِّيـنَ عَضُـداً} (الكهـف:51) إن معاوية رجل مضل، يضل أمة، ومعنى أن تُضِل أمـة بعـد أن جاء هدي الله، بعد أن جاء نور القرآن، بعد أن بعث الله محمداً (صلوات الله وسلامه عليه) ماذا يكون إضلالك؟ هل يكون إلا صرفاً للأمة عن القرآن، صرفاً للأمة عن محمد، صرفاً للأمة عن دين الله، عن الإسلام، عن هدي الله. إن معاوية مضل، وقد بقي فترة طويلة على بُعدٍ من عاصمة الدولة الإسلامية، أضل أمة بأسرها، أقام لنفسه دولة في ظل الخلافة الإسلامية. وعندما حصل الصراع بين الإمام علي (عليه السلام) وبين معاوية وجاءت معركة [صفين] استطاع معاوية أن يحشد جيشاً كثير العدد والعدة أكثر من جيش الخليفة نفسه! أكثر عدداً وأقوى عدة من جيش الخليفة نفسه! وكان ذلك الجيش الذي حشده إلى ساحة [صفين] مجاميع من تلك الأمـة التـي أضلهـا معاويـة. لمـا أضلها معاوية انطلقت تلك الأمة لتقف في صف الباطل، لتقف في وجـه الحـق، لتقف في وجه النور، لتقف في وجه العدالة، في وجه الخير، تقف مع ابن آكلة الأكباد، مع ابن أبي سفيان، ضد وصي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الذي قال فيه الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله): ((أنـت منـي بمنـزلـة هـارون مـن موسـى)). إنـه الضلال، وما أخطر الضلال، ما أخطر الضلال وما أسوأ آثار ونتائج وعواقب الضلال! وما أفظع خسارة المضلين عند الله، ما أشد خسارتهم، وما أفظع خسارتهم في هذه الدنيا ويوم يلقون الله سبحانه وتعالى، وقد أضلوا عباده! الإمام علي (عليه السلام) هو يعلم أن أخطر شيء على الأمة، أن أخطر شيء على البشرية هو الضلال والمضلون، لذلـك وهـو مـن يعـرف واجب السلطة في الإسلام، ويعرف مهمة الدولة في الإسلام، ويعرف مهمة الخلافة الإسلامية، يرى أنه لا يمكن بحال أن يقرَّ شخصاً مضلاً على منطقة في ظل دولته وإن كانت النتيجة هي تَقْويض خلافته واستشهاده. كان يقول: ((إن خلافتكم هذه لا تساوي عندي شـراك نـعـلـي هـذا إلا أن أقيـم حقــاً أو أميـت باطلاً)). لماذا؟ قد يستغرب أي شخص منا عندما يسمع كلاماً لأمير المؤمنين (عليه السلام) كهذا. أنت حريص على أن تزيل معاوية من موقعه حتى لو كان الثمن هو تقويض خلافتك، إزاحتك عن هـذا المنصـب، استشهـادك! الإمـام علـي (عليـه السلام) يرى كل هذا سهلاً، ولا أن يبقى معاوية دقيقة واحـدة على رقاب الأمة، لأن علياً لم يكن من أولئك الذين يحرصون على مناصبهم، وليكن الثمـن هـو الديـن، وليكن الثمن هو الأمة، ومصالح الأمـة، ومستقبـل الأمـة، وعـزة الأمة وكرامتها. الإمام علي يعرف أن من يعشق السلطة، أن من يعشق المنصب هو نفسه من يمكن أن يبقي مثل معاوية على الشام، هو نفسه من يمكن أن يبيع دين الأمة، أن يبيع الدين الإسلامي، هو نفسه من يمكن أن يبيع الأمـة بأكملهـا مقابـل أن تسلم له ولايته، وأن يسلم له كرسيه ومنصبه. وهل عانت الأمـة من ذلك اليوم إلى الآن إلا من هذه النوعية من الحاكمين! هذه النوعية التي نراها ماثلة أمامنـا على طـول وعرض البلاد الإسلامية لما كانوا من هذا النوع الذي لم يتلق درساً من علي (عليه السلام) الذي كان قدوة يمكن أن يحتذي به من يصل إلى السلطة، قدوة للآباء في التربية، قدوة للسلاطين في الحكم، قدوة للدعـاة فـي الدعوة، قدوة للمعلمين في التعليم، قدوة للمجاهدين في ميادين القتال، قدوة لكل مـا يمكـن أن يستلهمه الإنسان من خير ومجد وعز.
أولئك الذيـن لـم يعيشوا هذه الروحية التي عاشهـا الإمـام علـي (عليه السلام) في اليوم الأول من خلافته، فأرى الجميع أن خلافته عنده لا تساوي شراك نعله إذا لم يقم حقاً ويمت باطلاً. مـا قيمتها إذاً!؟ ما قيمة دولة تحكم باسم الإسلام، ويتربع زعيمهـا على رقـاب المسلمين، وعلى عـرش البلـد الإسلامي، ثم لا يكون همه أن يحيي الحق ويميت الباطل؟ لا قيمة لها، ليس فقط لا قيمة لها، بل ستتحول قيمتها إلى شيء آخر، ستتحول الأمور إلى أن يكون قيمتها هو الدين، إلى أن يكون قيمتها هو الأمة.
عندمـا نسمع – أيها الإخوة – زعماء العـرب، زعمـاء المسلمين كلهم يسرعون إلى الموافقة على أن تكون أمريكا حليفة، على أن تكون أمريكا هي من يتزعم الحلف لمحاربة مـا يسمـى بالإرهـاب، وعندمـا نراهم جميعاً يعلنون وقوفهم مع أمريكا في مكافحة ما يسمونه بالإرهاب، لأنهم جميعاً يعشقون السلطة، لأنهم جميعاً يحرصون على البقاء في مناصبهم مهما كان الثمن، لكنهم لا يمكن أن يصرحوا بهذا، هم يقولون: من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار، من أجل الحفاظ على مصلحة الوطن! أو يقولون: خوفاً من العصا الغليظة، العبارة الجديـدة التـي سمعناهـا من البعض: الخوف من العصا الغليظة! وأي عصا أغلظ من عصا الله، من جهنم، ومن الخزي في الدنيا؟ هل هناك أغلظ من هذه العصا؟ الإمام علي (عليه السلام) أراد أن يعلم كل من يمكن أن يصل إلى موقع السلطة في هذه الأمة أنه لا يجوز بحال أن تكون ممن يعشق المنصب، لأنك إذا عشقت المنصب ستضحي بكل شيء في سبيله، وألا تخاف من شيء أبداً فإذا ما خفت من غير الله فسترى كل شيء مهما كان صغيراً أو كبيراً يبدو عصا غليظة أمامك. سترى معاوية. هل معاوية، والـذي كان موقعه فعلاً في الأيام الأولى لخلافة الإمام علي (عليه السلام) بل في أيام عثمان كانت دولته أقوى في الواقع من محيط الخليفة نفسه، كان في تلك الفترة حكمه مستقراً، ويمتلك جيشاً كثير العدد، هو كان أقوى في الواقع من المجتمع الـذي جاء ليبايع علياًً (عليه السلام)، من مجتمـع المدينـة ومـا حولها. كان هناك استقرار لدى معاوية. سنين طويلة من أيام عمر، من أيام الفاروق، الفاروق الذي جعل هذه الأمـة تفارق علياً، وتفارق القرآن، وتفارق عزها ومجدها من يوم أن ولىَّ معاوية على الشام، وهو يعلم من هو معاوية، هو يعلم من هو معاوية. إذاً كل بلية أصيبت بها هذه الأمة، كل انحطاط وصلت إليه هذه الأمـة، كل كارثة مرت في هذه الأمة بما فيها كربلاء، إن المسؤول الأول عنها هو عمر، المسؤول عنها بالأولوية هو عمر قبل أبي بكر نفسه، قبل أبي بكر نفسه، عمـر الـذي ولـى معاويـة علـى الشـام سنيناً طويلة.
نجد الفاروق الحقيقي، الذي يفرق بين الحق والباطل لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية دقيقة واحدة على الشام، ومن هو الشخص الـذي قـال عنـه الرسـول (صلوات الله عليه وعلى آله): أنه مع القرآن؟ هل عمر أم علي؟ ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)) أم قال عمر مع القرآن والقرآن مع عمر؟ وعندما نجد أن علياً لا يسمح لنفسه أن يبقي معاوية لحظة واحدة على الشام، فإنه يتحرك باسم القرآن، وأنه منطـق القـرآن، وموقـف القرآن. إذاً فالموقف الآخر الذي سمح لنفسه أن يبقي معاوية سنيناً طويلة لا يحاسبه على شيء من أعماله، ويقول عنه: [ذلك كسرى العرب] هو الموقف الذي لا ينسجم مع القرآن بحال، هو الموقف المفارق للقرآن، هو الموقف الذي ضرب القرآن، وأمـة القـرآن، وقرناء القرآن. فهنيئاً لفاروق هذه الأمة، هنيئاً يوم يلقى الله فيُسأل عن كل حادث حدث في هذه الأمة.
╔════🌺═══╗
t.me/shahidzaid
╚════🌺═══╝