دروس من هدي القرآن الكريم 🔹آيات من سورة الواقعة🔹 ملزمة الأسبوع | اليوم الأول ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي بتاريخ 10/ رمضان/1423هـ | اليمن – صعدة
🟢دروس من هدي القرآن الكريم
🔹آيات من سورة الواقعة🔹
ملزمة الأسبوع | اليوم الأول
ألقاها السيد / حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 10/ رمضان/1423هـ | اليمن – صعدة
〰️〰️〰️〰️〰️〰️〰️
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله الطاهرين
يقول الله تعالى: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَـا كَاذِبَـةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} (الواقعة:1-3) هذا حديث عن القيامة، الواقعة هي القيامـة، وهـي حقيقـة لا شـك فيهـا إطلاقاً {لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ}.
{خَافِضَةٌ رَّافِعَـةٌ} تخفـض نـاساً وترفع ناساً، ناس ممن كانوا في الدنيا متجبرين وكبار، من العاصين لله سبحانه وتعالى، من المتجاوزين لحدوده، تخفضهم فيصيرون في أحط، وإلى أحط مستوى، يقفون ذليلين بين يدي الله سبحانه وتعالى، يقفون خائفين، يقفون متحسرين، ونادمين على ما يشاهدون من آثار لسوء أعمالهم في الدنيا.
ورافعة للمؤمنين، الإنسان المؤمن قد ربما في حياته في الدنيا عاش مستضعفاً، عاش محارَباً، عاش محتقَراً، يوم القيامة يكون رافعاً لرأسه، يكون مقامه رفيعـاً، ويشاهـد كثيـراً ممن كانوا في الدنيا متكبرين متجبرين.
والتكبـر والتجبـر قد يكون أحياناً لا يختص بأصحاب المقامات الرفيعة، بأصحاب المناصب أو التجار، بل بعض الناس الفقـراء نفوسهـم، بعـض المتجبريـن يكونـون فقراء، متجبر بمنطقه، بموقفه، بعناده، بإصراره، لكن لأنـه لا يظهـر تجبره بالشكل الذي يظهر تجبر الآخرين وتكبرهم، وربما هذا لو يتاح له فرصة، أو لو يعطى مقاماً، أو منصباً لرأيته طاغية من كبار الطواغيت.
والاستكبار قد يكون الإنسان وهو مستضعف في نفسه، مستضعف أمام متكبرين آخرين، وأمام جبارين آخرين، قد يكون هو نفسه مصنف من الجبارين، ومصنف من المستكبرين، حتى يأتي في بعض الأحاديث بأن الإنسان سيء الخلق مع أهله، مع أسرته، عندما تصبح أسرته تخافه، يهمونه عندما يدخل عليهم من باب البيت، زوجته، أولاده، أقاربه، كلهـم كأنـه دخل عليهم جبار! أنه يكتب عند الله جبار وإن لم يملك إلا أهله.
استنكاف الإنسان عن الحق يعتبر استكباراً أيضاً، رفض الإنسان للحق، سخريته من مواقف الحق، عناده للحق. فالإنسان قد يكتب عند الله من المتكبرين، من الجبارين؛ لأن الإنسان عندما يعاند، وإن كان فقيراً، وإن كان مستضعفاً مـن جانـب آخريـن، عندمـا يعانـد الحـق، عندمـا يعانـد آيـات الله عندمـا تتلـى عليه يعتبر مستكبراً؛ لأنـك لا تقـف في موقف عناد للحق إلا وأنت في نفس الوقت تحمل مشاعر استكبار، وعلو، وعتو.
لاحظ كيف قال الله في القرآن الكريم: {وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَـا هُـزُواً} (الجاثية7- 9) أليس هنـا سماه جباراً؟ هكذا قد تحمل مشاعر استكبار وعتو فتحشر مـع فرعـون، مـع نمـرود، مـع الذيـن كانـوا متجبريـن؛ لأنـك أنـت فـي الواقـع، أنت في الواقع، بنفسيتك، بروحيتك جبار، إنما لم يتح لك أن تكون مثل أولئك الجبابرة، عملياً يكون جبروتك أوسع، وإلا فهي نفس المشاعر الفرعونية تكون مع بعض الفقراء، مع بعض المساكين؛ ولهذا بعضهم قد تجده بمجرد أن يحصل على مقام، وظيفة معينة، أو أي منصب يحصل له، ما تدري إلا عندما يتكبر ويتجبر، وإذا بـه لـم يعـد ذلـك الذي كان يبدو أمامك إنساناً عادياً، قد صار جباراً، وقد صار مستكبراً.
فلأن الإنسان قد يرى نفسه بمشاعر كبرياء، بمشاعر عتو، بمشاعر تجبر فيرى نفسه رفيعة وهو يصد عن عمل حق، وهو يكذِّب بحق، وهو يعاند حقاً، سيحشر يوم القيامة وهو منحط، خافض لرأسه، مقامه منخفض، معنوياته منخفضة.
الله سبحانـه وتعالـى في القرآن الكريم عرض أقوالاً لمن يعيشون حالة من هذه، حالة الانكسار، والندامة، والحسرة يوم القيامة: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر: 56) يعرض أيضاً، وقد هم في داخل جهنم كيف ترحُّمهم واستعطافهم: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ} (غافر: 49).
أليست هـذه حالـة انكسـار؟ يقـول عنـه عندما يرى أعماله السيئة، ويتصفح صحيفته، ويرى الأعمال السيئة {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} (الفجر: 24) أليست هذه عبارة ندم وحسرة؟
يقول أيضاً عندمـا يكـون مـن الأتبـاع لأهل الباطل، الصادين عن دين الله: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِيـنَ اتُّبِعُـواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (البقرة: 166-167).
لأنه حتى أحياناً بعض الأتباع يصبح عنده روح الطغيان، والتجبر، والكبرياء، والعناد، والتمرد، وهو مجرد تابع؛ لأنه مقرب من مسؤول معيّن؛ لأن له كلمة عند مسؤول معين، تراه كذلك ينعكس في نفسيته جبروت، وطغيان، وعناد، وإصرار، وتمرد الذي يكون تابع له.
هؤلاء يوم القيامة يرون كل أعمالهم حسرات، ندامة شديدة، عذاباً نفسياً شديداً، عندما يجدون بأنه من كانوا معهم في الدنيا يصفقون لهم، ويؤيدونهم، ويعادون من أجلهم، ويوالون من أجلهم، وهم ناس ليسوا ملتزمين بدين الله، ناس محاربين لدين الله، فـي الأخيـر يـرى هـؤلاء يـوم القيامـة لا يعـودون ينفعونه بشيء إطلاقاً يتبرؤون منه.
عندمـا تكـون القيامـة هكذا يظهر فيها الناس ما بين مثلما قال هنا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فتخفض ناساً وترفع ناساً، أنك لو تحاول في هذه الدنيا أن تكون رفيعاً، وبأي طريقة تريد أن تكون رفيعاً، ولو بـأن تدخـل فـي باطـل، أن تقف مع باطل، أن تساند باطلاً من أجل أن تحصل على رفعة، فهذه الرفعة ليست هي الرفعة الحقيقية، ليست رفعة صحيحة، ليست رفعة إيجابية.
الرفعـة الحقيقية هي رفعة يوم القيامة؛ لأن هذه في الدنيا قد تكون فترة قصيرة مهما رأيت نفسك رفيعاً، ورأيت الناس يرونك رفيعاً، فهي فترة قصيرة، هي عمرك في الدنيا، وعمر الدنيا بكله محدود، يوم القيامة ستكون ممن يكونون في الحضيض، وفي أحط مستوى، فتكون ممن يخفضون في ذلك اليوم.
هذا يعني بأن الإنسان يجب عليه إذا كان يحرص على سلامة نفسه هو أن يحسب حساب الآخرة، لأن الآخرة هي الحياة الأبدية، الدنيا هذه هي حياة محدودة، وعندما يكون عند واحد أمل أنه قد يتعمر عمراً كاملاً قد يرى نفسه بأنه ربما لا يتجاوز تسعين سنة، أليس هذا أكبر ما تفترضه لنفسك، تسعين سنة ليست عمر المحشر، ليست عمر المحشر، موقف الحساب، خلي عنك الحياة الأبدية، إما في الجنة أو في النار.
أما إذا كان قد أصبح الواقع هكذا، في هذا العصر، في مختلف أقطار الدنيا، انتشرت قضية الموت المفاجئ، وقالوا أن هذه هي من أعلام الساعة، موت الفجأة من أشراط الساعة، ومن علامات القيامة، فالإنسان يحاول أن يقدم لحياته، للآخرة، يحسب حساب الآخرة، وإن عانى في هذه الدنيا، وإن تعب في هذه الدنيا، وإن واجه مشاكل في الدنيا، وإن رأى أعداء الله متحزبين عليه، وإن رآهم يكرهونه، وإن رآهم يتآمرون عليه.
لا تحسب لهذه حساباً؛ لأن كل هذه هي ستنتهي، وهي محدودة، وإذا كنت على حق، وأنت متجه على صراط الله المستقيم، فستكون كل هذه الأشياء لصالحك، تتحول بالنسبة لك إلى عبادة، كل تآمر يحصل عليك، كل محاولة لمشاكل تفتح عليك لا تكترث بشيء إطلاقاً في سبيل أن تأتي يوم القيامة آمناً، في سبيل أن تأتي يوم القيامة وأنت رأسك مرفوع، مطمئن، تضحك من الآخرين، الذين كانوا في الدنيا يضحكون منك، ويسخرون منك.
هذه هي القضية المهمة، الإنسان مع غفلته – خاصة عندما يكون في مقتبل شبابه – قد يكون عنده تفكيرات كثيرة، طموحات في مقامات، في وظائف، في مناصب، في أن يكون وجيهاً، في أن يكون كذا، كثير من الشباب يكون عندهم هذه التوجهات.
اسعَ في هذه الدنيا إلى أن توفر لنفسك الرزق الحلال، اسعَ بكل ما تستطيع، وبكل ما تتمكن في حدود أنك لا تدخـل في باطل، لا تدخل في محرم، ولكن ليكن همُّ الإنسان هو أن يحشر يوم القيامة آمناً، أن يحشر يوم القيامة وهو ممن يحمد الله، وهو ممن يرضى عن نفسه؛ لأنه يوم القيامة كما قال الله عن المؤمنين في سورة [الغاشيـة]: {وُجُـوهٌ يَوْمَئِـذٍ نَّاعِمَـةٌ * لِسَعْيِهَـا رَاضِيَةٌ} (الغاشية: 8-9).
فتكون يوم القيامة أنت ترضى عن نفسك، ترتاح من نفسك أنك عملت أعمالاً كثيرة، وكانت أعمالك صالحة، فترى جزاءها الحسن، فترضى عن نفسك، ويرضى الله عنك، وترضى عن الله، ترضى عن الله، وترضى عن نفسك، وترى أنك كنت في نصح نفسك، عملت في نجاة نفسك.
بينما الآخرون، تجد الآخرين كل واحد متحسر، كل واحد يعاتب نفسه، كل واحد يتألم على نفسه {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} (الزمر: 56) أليس هـؤلاء يلومـون أنفسهـم؟ يغضبون على أنفسهم؟ يكاد كما قال الله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} (الفرقان: 27) يعظ واحد أصابعه من الغيظ على نفسه هو، من الغيظ على نفسه أنه فرط في نفسه، فرط في نجاة نفسه، أضاع الفرصة التي سنحـت لـه في الدنيا فرأى جهنم أمامه لها زفير، لها شهيق، لها تغيض من شدة احتراقها، ويرى بشائر السوء وهو في المحشر عندما يؤتى صحيفة أعماله بشماله، من وراء ظهره، يرى أنها قد أصبحت بداية، بداية تعني أن مصيره إلى جهنم.
{وَأَمَّـا مَـنْ أُوتِـيَ كِتَابَـهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ} (الحاقة: 25-26) أليس هـذا تحسراً؟ {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} (الحاقة: 27) ليت أن الموت الذي حصل في الدنيا أنه كان آخر ما يكون، فلا نبعث من جديد.
بينما المؤمن يحمد الله على البعث، يحمد الله وهو في مقام الحساب، يحمد الله عندما يدخل الجنة؛ لأنها كلها يجد نعمة عظيمة عليه أنه بعث من جديد ليلقى الجزاء الحسن، يرى في المحشر الناس خائفين وهو مطمئن، الناس في هول شديد وهو على الأرائك مع المؤمنين آكلين شاربين ويتفرجون على الآخرين، ويسخرون منهم، ويضحكون منهم.
{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين: 34-35) تجد أناساً أبصارهم شاخصة، ما عاد يستطيع يطرِف بعينه، وأنت شارب آكل مرتاح على [كَنَب] على كراسي تضحك من أولئك وهم في حالة شديدة.
هذه هي القضية التي يجب أن الإنسان يحرص مهما عانى، مهما تعب، مهما لقي من مشاكل من أجل الحياة الأبدية، أن يقدم على الله وهو آمن فيها، يفوز برضوان الله، يفوز بجنته، فيكون راضياً عن نفسه، ويكون ممن ترفعهم القيامة.
لاحـظ عندمـا يقـول هنـا: {خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} أليس يتحدث عن القيامة؟ أي ستحصل هذه في القيامة، فتخفض ناساً وترفع ناساً.
╔════🌺═══╗
t.me/shahidzaid
╚════🌺═══╝